%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D9%81%D8%A9%20%D8%A8%D9%8A%D9%86%20%D8%AA%D9%86%D8%A7%D9%88%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AD%D9%88%D9%84%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AF%D9%85%D8%A7%D9%86%20%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87 - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


المسافة بين تناول الكحول والإدمان عليه
عصام محمود - 10\11\2010
بينما كنت جالساً بصحبة أحد الأصدقاء في بيته، أخرج قنينة مشروب كحولي وجلب كأسين، ثم سألني إذا كنت أرغب باحتساء كأس معه. ومن باب المجاملة قبلت عرضه، وإذ بأحد أبنائه يقترب منا ويرمقنا بنظرات غريبة فيها تساؤل عما تحويه هذه القنينة. فسألت صديقي هل من عادته أن يشرب الكحول أمام أولاده؟ وهل هم على علم بمفعول هذا المشروب وعلى من يقتصر شربه؟ وإذا كان متأكداً من أنهم لا يشربون منه في غيابه؟ فأجابني أن كل شيء تحت السيطرة. فابتسمت وفكرت في صمت، أي نوع من السيطرة يقصد؟ هل يقصد السيطرة قبل شرب الكأس أم بعده؟

عندما عدت إلى البيت، جعلت أفكر في هذا الأمر، وأفكر هل نحن فعلاً قادرين على التحكم بتصرفات أولادنا؟ هل نراقبهم ونعرف ماذا يفعلون في أوقات فراغهم وأين يذهبون ومن يرافقون؟ وهل يدركون ما يفعلون؟ هل يعرفون ما الصواب وما الخطأ؟ أسئلة كثيرة بحاجة إلى الإجابة وإلى النقاش البنّاء.

مجتمعنا يمر بتغييرات سريعة متأثراً بالمجتمعات الأخرى المجاورة، يكتسب منها الخطأ والصواب على حدٍ سواء، ولعل من أخطر ألأشياء السلبية التي يكتسبها هي عادة شرب الكحول، التي لا يقل خطر استعمالها عند البالغين عنه عند القاصرين. فالبالغ يحتسي الكحول حتى ولو لفترات متباعدة، وهذا يؤثر عليه سلباً، فالجسم يتعود حتى ولو على كمية قليلة، ومع الوقت يجد نفسه بحاجه للشرب أكثر وأكثر وهكذا وصولا إلى الإدمان. ولا تقل مخاطر الشرب قبل الإدمان عنها بعده، فقد يفقد الإنسان أعصابه بسهوله وتركيزه فيما يعمل ويصبح عصبياً في البيت ومع أفراد عائلته، وقد يؤدي عدم تركيزه وعصبيته في أغلب الأحيان إلى افتعال العنف أو ربما وقوع الحوادث. وتشير الأبحاث إلى أن المدمنين على الكحول يسببون أذى نفسياً وعاطفياً حاداً لأبنائهم، يظهر على شكل اختلال في شخصيتهم تلازمهم حتى فترة البلوغ، وأيضا على أن أبناء المدمنين على الكحول معرضون أربع مرات أكثر من غيرهم للإدمان على الكحول والمخدرات والقمار عند البلوغ. وحذرت هذه ألأبحاث من أن الطفل الذي يعيش في بيئة فيها مدمنين على الكحول يعيش في جو تسوده الفوضى والشعور بالعار ويتعرض للأذى النفسي، إلى حد لا يمكن إخراجه منه بسهوله. أما بالنسبة للمراهقين فهذه مشكله بحد ذاتها فهم غالبا لا يستطيعون التحكم بكمية المشروب أو بنوعيته أو بمصدره، فكل شيء جديد بالنسبة لهم وقد يرغبون في اختباره دون إدراك مفعوله، وهم غالبا ما ينتمون إلى مجموعه وهذه المجموعة تفرض عليهم التصرف بنظامها حتى ولو كان ضد رغبتهم، فالخروج من المجموعة صعب والبقاء فيها أصعب.

لا أحد يستطيع إنكار أن عادة تناول المشروبات الروحية آخذه في الازدياد ولا تقتصر على فئة معينه من الناس، والكحول موجود في كل مكان علناً وسراً، وفي متناول الجميع، وما أكثر المناسبات التي يتخللها شرب الكحول وكأنه جزء لا يتجزأ من حياة البعض أليوميه.
فليسأل كل منا نفسه: هل هذا هو مجتمعنا؟ وهل ينطبق كل هذا علينا؟ هل نشبه المجتمعات الأخرى التي سبقتنا إلى العنف والتفكك الاجتماعي بفضل انسياق قسم من أبنائها وراء الإدمان على الكحول والمخدرات وما شابه؟
لنقرأ في الصحف عن ما يجري في القرى العربية في فلسطين، عن أحداث القتل والسرقة والعنف بأشكاله، ولنتعلم من أخطائهم وهفواتهم، فكل تلك ألأشياء التي ذكرت قد يكون سببها شرب الكحول والإدمان عليه.
لنحافظ على هذا المجتمع ونجعله مثالياً ومترابطاً وقوياً كما عهدناه، ولنجعل الأمور تحت السيطرة بالمعنى الحقيقي، فما أكثر التحديات في هذه ألأيام وما أكثر الاختبارات التي يمر بها مجتمعنا.